النزيف الغزير: الأسباب والعلاج

النزيف الغزير: المديد بالدورة الشهرية

تعتبر الدورة الشهرية من العمليات الطبيعية التي تمر بها النساء طوال فترة حياتهن الإنجابية، إلا أن بعض الحالات قد تشهد زيادة في حجم النزيف أو تمدد مدة الدورة، مما يعرف بالنزيف الغزير أو “الحيض المديد”. يحدث هذا الاضطراب نتيجة مجموعة متنوعة من الأسباب الصحية التي قد تكون معقدة في بعض الأحيان. في هذا المقال، سنتناول موضوع النزيف الغزير بشكل موسع، بما يشمل أسبابه، أعراضه، تشخيصه، علاجاته المختلفة، تأثيراته على صحة المرأة، والطرق التي يمكن من خلالها إدارة هذه الحالة.

تعريف النزيف الغزير

النزيف الغزير، أو ما يعرف علمياً بـ “عسر الطمث”، هو زيادة كمية الدم الذي يتم فقدانه أثناء الدورة الشهرية أو زيادة مدة الحيض بشكل ملحوظ. يعاني الشخص الذي يعاني من هذه الحالة من نزيف يتجاوز 80 مل من الدم في الدورة الشهرية الواحدة أو من فترة حيض تتجاوز سبعة أيام. في هذه الحالة، قد تصبح الدورة الشهرية غير منتظمة أو تستمر لفترة طويلة، ما يؤدي إلى حالة من الإرهاق الجسدي والنفسي.

أسباب النزيف الغزير

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث نزيف غزير أو حيض مديد، ويمكن تصنيفها إلى عدة فئات رئيسية:

1. الاضطرابات الهرمونية

تعد الاضطرابات الهرمونية أحد الأسباب الرئيسية للنزيف الغزير. فالتوازن بين هرموني الإستروجين والبروجستيرون يؤثر بشكل كبير على صحة الدورة الشهرية. إذا كانت هناك زيادة في مستوى الإستروجين أو نقص في مستوى البروجستيرون، فقد يحدث نمو غير طبيعي للبطانة الرحمية، مما يؤدي إلى زيادة النزيف. بعض الحالات التي قد تسبب اختلال التوازن الهرموني تشمل:

• المتلازمة المبيضية متعددة الكيسات (PCOS): تؤدي هذه المتلازمة إلى عدم انتظام الدورة الشهرية، ما قد يزيد من تدفق الدم.

• الاضطرابات الغدة الدرقية: يمكن أن يؤثر اضطراب وظيفة الغدة الدرقية، سواء كانت فرط النشاط أو قصور النشاط، على الدورة الشهرية ويسبب نزيفاً غزيراً.

• البلوغ المبكر أو انقطاع الطمث المبكر: قد يعاني العديد من النساء في مرحلة البلوغ أو خلال فترة انقطاع الطمث من اضطرابات هرمونية تؤدي إلى نزيف غزير.

2. الأورام الليفية الرحمية

تعد الأورام الليفية الرحمية من أكثر الأسباب شيوعاً للنزيف الغزير. هذه الأورام غير السرطانية تنمو في جدار الرحم وتؤدي إلى زيادة تدفق الدم خلال الدورة الشهرية. وتختلف هذه الأورام في الحجم والموقع، وقد تسبب مشاكل خطيرة في بعض الحالات إذا كانت تتداخل مع وظيفة الرحم.

3. الالتهابات الرحمية

قد تكون الالتهابات الرحمية، مثل التهاب بطانة الرحم أو التهاب الحوض، سبباً في النزيف الغزير. يؤدي الالتهاب إلى تهيج الرحم وزيادة تدفق الدم، مما يتسبب في نزيف مفرط.

4. الاضطرابات الدموية

الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات دموية مثل مرض الهيموفيليا أو نقص في الصفائح الدموية قد يواجهون صعوبة في إيقاف النزيف بشكل طبيعي، ما قد يؤدي إلى النزيف الغزير خلال الدورة الشهرية.

5. مضاعفات الحمل

في بعض الحالات، قد يحدث النزيف الغزير نتيجة لمضاعفات الحمل مثل الإجهاض أو الحمل خارج الرحم. هذه الحالات تستدعي التدخل الطبي الفوري.

6. الأدوية والعلاجات الطبية

بعض الأدوية، خاصة تلك التي تحتوي على مكونات تؤثر على تجلط الدم مثل الأدوية المسيلة للدم أو موانع الحمل الهرمونية، قد تؤدي إلى زيادة في تدفق الدم خلال الدورة الشهرية.

أعراض النزيف الغزير

يتفاوت النزيف الغزير في شدته من امرأة إلى أخرى، ولكن هناك بعض الأعراض المشتركة التي قد تشير إلى وجود هذه الحالة، ومنها:

• زيادة كمية الدم المفقود: يلاحظ أن المرأة بحاجة لتغيير الفوط الصحية أو السدادات القطنية أكثر من مرة خلال الساعة.

• طول مدة الحيض: استمرار الحيض لأكثر من سبعة أيام.

• فقر الدم: بسبب فقدان كمية كبيرة من الدم، قد تصاب المرأة بفقر الدم، مما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق، الدوار، وضيق التنفس.

• ألم شديد في البطن أو الحوض: قد يصاحب النزيف ألم مفرط في منطقة البطن السفلى أو الحوض.

• خروج جلطات دموية: يمكن أن تحتوي الدورة الشهرية على جلطات دموية كبيرة، مما يشير إلى تدفق الدم الزائد.

تشخيص النزيف الغزير

يحتاج التشخيص إلى فحص دقيق من قبل طبيب مختص، والذي قد يتضمن عدة خطوات لتحديد السبب الأساسي للنزيف الغزير:

1. التاريخ الطبي والفحص السريري: يبدأ الطبيب بسؤال المريضة عن تاريخ الدورة الشهرية، الأعراض المصاحبة، وأي أمراض سابقة قد تكون مرتبطة بالنزيف.

2. الفحوصات المخبرية: مثل فحص الدم لتحديد مستويات الهيموغلوبين أو الفحص لمعرفة وجود أي اضطرابات في الصفائح الدموية أو الهرمونات.

3. الفحوصات التصويرية: يمكن استخدام الموجات فوق الصوتية (السونار) لفحص الرحم والمبايض لاكتشاف الأورام الليفية أو أي تشوهات أخرى.

4. الخزعة الرحمية: في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر أخذ عينة من بطانة الرحم لتحليلها في المختبر.

العلاجات المتاحة للنزيف الغزير

تعتمد خيارات العلاج على السبب الأساسي للنزيف الغزير. وفيما يلي بعض الخيارات المتاحة:

1. العلاج الدوائي

• المسكنات: الأدوية مثل الإيبوبروفين يمكن أن تساعد في تقليل الألم والتخفيف من النزيف.

• موانع الحمل الهرمونية: يمكن أن تساعد موانع الحمل التي تحتوي على الإستروجين والبروجستيرون في تنظيم الدورة الشهرية وتقليل كمية الدم المفقود.

• الأدوية المضادة للنزيف: مثل حمض الترانيكساميك، الذي يقلل من النزيف عن طريق منع تكسير الجلطات الدموية.

• الأدوية لعلاج فقر الدم: قد يُوصى بتناول مكملات الحديد لتعويض فقدان الدم.

2. العلاج الجراحي

• استئصال الأورام الليفية: في حالة وجود الأورام الليفية، قد يتطلب الأمر إجراء جراحة لإزالة الأورام الكبيرة أو المتعددة.

• استئصال الرحم: في الحالات الشديدة التي لا تستجيب للعلاج، قد يُوصى بإجراء عملية استئصال الرحم (Hysterectomy) كحل نهائي للنزيف المستمر.

3. العلاجات البديلة

• العلاج بالطب الصيني التقليدي: يستخدم بعض الأشخاص الأعشاب الصينية والطب التقليدي للمساعدة في تنظيم الدورة الشهرية.

• التحفيز الكهربائي: تقنيات مثل التحفيز الكهربائي للرحم قد تكون مفيدة في بعض الحالات.

التأثيرات على صحة المرأة

النزيف الغزير لا يؤثر فقط على الجسم من الناحية الجسدية، بل يمتد تأثيره ليشمل الحالة النفسية والاجتماعية. فقد يسبب فقدان الدم المستمر في حدوث فقر الدم، مما يؤدي إلى تعب مستمر، ضعف عام، وصعوبة في أداء الأنشطة اليومية. كما يمكن أن تؤثر هذه الحالة على الصحة النفسية للمرأة بسبب القلق والتوتر الناتج عن الأعراض المستمرة.

من المهم أن تكون المرأة على دراية بالأعراض التي تشير إلى النزيف الغزير وأن تسعى للحصول على المشورة الطبية عند الشعور بأي تغييرات غير طبيعية في الدورة الشهرية. في العديد من الحالات، يمكن التحكم في النزيف الغزير بشكل فعال باستخدام العلاجات الطبية المتاحة، مما يمكن المرأة من العودة إلى حياتها الطبيعية والشعور بالراحة والصحة.